السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الدنيا مزرعة الآخرة وهي دار التكليف والعمل، ومن فضل الله ومنته أن أعمال المسلم لا تنقطع بموته وخروجه من الدنيا بل هناك أعمالًا تجري حسناتها له بعد وفاته. ولقد علم سلف الأمة هذا الخير فسابقوا إليه وتنافسوا فيه. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم في بداية فجر الإسلام يعانون من قلة ذات اليد وضيق العيش. ولمّا فتح الله عزّ وجلّ لهم خزائن الأرض وأتتهم الأموال كان همهم منصرفًا إلى كيفية استثمارها في آخرتهم. فجهز كثير منهم الجيوش، وأكثروا من الصدقات والعطف على الفقراء، وقضاء حوائج الأيتام، والقيام على الأرامل، وتطلعت أنفسهم لعمل يجري به الثواب بعد الموت امتثالًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
أنواع الوقف:
1- الوقف بإنشاء المساجد ورعايتها والقيام بشؤونها امتثالاً لقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [سورة التوبة: 18].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بنى مسجدا لله تعالى يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة» [رواه البخاري ومسلم].
ورواه ابن ماجة بلفظ: «من بنى مسجداً لله، ولو كمفحص قطاةٍ أو أصغر، بنى الله له بيتًا في الجنة».
والمفحص: عش الطير، والقطاة: طائر يشبه الحمام.
ومن أجل أن يقوم الإمام بواجبه على أفضل وأكمل وجه؛ يلحق بالمسجد سكن خاص بالإمام ويعتبر من ضمن مرافق الوقف وملحقاته.
2- الوقف على الجهاد في سبيل الله. قال صلى الله عليه وسلم: «من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده، فإن شبعه وريَّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة» [رواه البخاري]. وقد مرّ بنا أن خالد بن الوليد رضي الله عنه حبس درعه وكراعه في سبيل الله، كما أن طلحة رضي الله عنه حبس سلاحه وكراعه في سبيل الله.
3- الوقف على توزيع الكسوة للفقراء والأرامل والمحتاجين. وبعض المسلمين والمسلمات اليوم لا يجد ما يستر به عورته.
4- الوقف على المكتبات العامة كإنشائها وإيقاف الكتب الشرعية بها. وقد كانت الأمة الإسلامية تزخر بمثل هذه المكتبات في الشام والعراق والمدينة وغيرها.
5- إنشاء المدارس العلمية التي تكفل مجانية التعليم لأبناء المسلمين.
6- إنشاء المراكز الطبية؛ خاصة ما دعت إليه الحاجة في هذه الأزمنة: كمصحات الأمراض النفسية، وعلاج أمراض الكلى والأورام الخبيثة، وإنشاء المستشفيات والمستوصفات، فكم من مريض يأنُّ، وكم من صغير يموت، وهو في حاجة إلى دواء لا تتجاوز قيمته عشر ريالات، وهذا نراه في دول إسلامية فقيرة.
7- تعبيد الطرق وشقها وإنشاء القناطر على الأنهار.
8- حفر الآبار وإجراء الماء وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بئر رومة وأضمن له الجنة» فاشتراها عثمان رضي الله عنه وجعلها وقفًا دائمًا على المسلمين. وقرى المسلمين اليوم تحتاج إلى حفر الآبار، ومد الأنابيب، وتركيب المضخات.
9- الأوقاف على الدعاة والوعاظ؛ بما في ذلك توفير الرواتب والمواصلات والوسائل الأخرى التي تعينهم على أداء أعمالهم.
10- الأوقاف للمشاركة في الإعلام الإسلامي. ومن ذلك دعم المجلات الإسلامية بأموال وقفية مثل المجلات العلمية والدعوية التي ترفع لواء التوحيد.
11- إنشاء الأربطة والملاجىء للعاجزين.
12- الوقف على نشر دعوة التوحيد وتبليغ الإسلام؛ وذلك بطبع الكتب والأشرطة وتوزيعها.
13- إقامة مراكز للمهتدين الجدد في أفريقيا مثلًا.
14- بناء مراكز الأيتام ورعايتهم والعناية بهم.
15- الوقف على تطوير البحوث المفيدة والنافعة.
16- الوقف على جماعات تحفيظ القرآن الكريم التي نفع الله بها أبناء المسلمين.
17- الوقف على مدارس تحفيظ القرآن النسائية، التي بدأت ولله الحمد تنمو وتكبر.
18- الوقف على رواتب المعلمين والمعلمات محفظي كتاب الله عزّ وجلّ.
19- إطعام الجائعين، وقد رأينا بعضهم في حال المجاعة يسقط ميتًا وهو ينتظر في الطابور ليأخذ وجبته من المؤسسات الخيرية. وفي منطقة واحدة حينما ضربت المجاعة الصومال، كان يسقط ميتًا أمام أعين المؤسسات الخيرية ما يزيد عن أربعين مسلمًا كل يوم.
20- هداية ضال، فكم من أبناء المسلمين من يعيش في ظلمات الشرك والبدع والخرافات، وكم من كافر يتلمس طريق الحق ولا يجده! ألا ندعم مكاتب الجاليات بأوقاف تعينهم على أداء رسالتهم: «لئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم».
21- الوقف على تفريج الكرب. فكم من مسلم لا ينام الليل من الهموم والغموم والديون التي لحقته، وكم من مسلمة تحتاج إلى ريالات لتسافر لزيارة أبنائها ولا تجد، قال صلى الله عليه وسلم: «.. ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة..» [متفق عليه].
22- الأوقاف على الدعوة عبر شبكة المعلومات (الإنترنت) وقد رأينا ثمرة الأعمال الدعوية عبر هذه الوسيلة العجيبة.
23- إقامة مصانع لتدريب المسلمين وتعليمهم مهن صناعية وإنتاجية تنفعهم.
24- الوقف على فك الرقاب، وإعتاق المسجونين الغارمين.. {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [سورة البلد: 11- 13].
25- إيقاف الأراضي على المقابر لدفن المسلمين بها.
26- شراء المصاحف وإيقافها في المساجد، خاصة خارج المملكة. وقد رأيت بعيني مسجدًا كبيرًا ولا يوجد به مصحفًا واحدًا، إنما رأيت بعض ورقات من المصحف متناثرة.
أخي المسلم:
لا يزال العمل الإسلامي ضعيفا ويعاني من قلة الموارد. والأوقاف بإذن الله تجعله ينطلق بثبات وقوة. وقد عرف الصليبيون أن المادة عصب الحياة فأوقفوا مليارات الدولارات على الكنائس والمعابد الوثنية للصد عن سبيل الله، وقل أن تجد مكانًا لا توجد به كنيسة أو معبد هندوسي أو دار أيتام يُنصَّر فيه الناس ويُضلون عن الطريق المستقيم.
ألسنا أولى بهذا منهم؟! إنّ الجنة سلعة الله الغالية.
وما وهبنا الله من أموال هي أمانة في أيدينا فإن أنفقنا وقدمنا لأنفسنا وإلا رحلنا عنها. وتأمل في حال قارون وكيف أردته أمواله: {فَخَسَفْنا به وبِدَارِهِ الأرض} [سورة القصص: من الآية 81].
والمال الذي في أيدينا على قسمين: قسم لنا وهو الذي نقدمه للآخرة وندخره عند الله عزّ وجلّ، وقسم عندنا وهو أمانة ينتظر أصحابه تسليمه إليهم بعد الموت، وهم الورثة وأصحاب الحقوق.
وكم من مسكين جمع الملايين وكد وكدح في جمعها، ولم يوقف شيئًا منها في حياته ولما توفي رفض أبناءه بناء مسجد واحد له من هذه الملايين!
وكم من مُدرسة يأتيها مرتب جيد كل شهر ولها سنوات طويلة تعمل ولم توقف لنفسها شيئًا! بل جل أمواله في الطعام والشراب والفساتين والحلي!
منقول بتصرف
Bookmarks